- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
العبادة و الإخلاص :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍِ جديد من موضوعات سبل الوصول وعلامات القبول والموضوع اليوم الإخلاص، قال تعالى:
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ﴾
فالعبادة انقيادٌ تام لأوامر الله، والإخلاص عبادة القلب، والجوارح تعبد الله بأن تنقاد إلى أمره، والقلب يعبد الله بالإخلاص.
والإخلاص تصفية القلب عن الشك والشرك، قال بعض الشعراء:
زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأموات قـلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسرٍ أو صحّ قولي فالخسار عليكما
* * *
هذا ليس إيماناً.
﴿ إِِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾
لذلك الإخلاص تصفية القلب من الشرك والشك، والشرك كما تعلمون شركٌ أكبر، المسلمون في العالم الإسلامي معافون منه، ولكن المصيبة في الشرك الأصغر، قال عليه الصلاة والسلام:
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية. قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم. والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه ))
فحينما تتوهم أن جهةً غير الله ترفعك أو تخفضك، تعطيك أو تمنعك، تعزك أو تذلك، فهذا شركٌ خطيرٌ جداً، الشرك الخفي خطير، أما الجلي غير موجود، أي ليس هناك من إلهٍ له اسم معين يعبد في العالم الإسلامي، أما الشهوة إله، والنفاق شرك، وأن تتوهم أن زيداً أو عبيداً يعطي أو يمنع، يرفع أو يخفض، فهذا شرك.
فلذلك الإخلاص تصفية القلب من الشك والشرك، العبادة للظاهر، والإخلاص للباطن، العبادة للجوارح، والإخلاص للقلب، العبادة لما يظهر، والإخلاص لما يخفى.
الإخلاص هو الإيمان كله :
لذلك المؤمن الحق منقادٌ إلى أمر الله بأعضائه وجوارحه، مخلصٌ له بقلبه، إذاً الإخلاص شطر الإيمان، والأصح من ذلك أنه الإيمان كله، لأنك إذا ألغيت الإخلاص ألغيت الإيمان، إذاً الإخلاص هو الإيمان كله.
الحقيقة في الإنسان بواعث، يتحرك، يصل، يقطع، يعطي، يمنع، يغضب، يرضى هذه الأفعال الظاهرة وراءها بواعث، هذه البواعث تسوق الإنسان إلى العمل، أو تدفعه إلى إجادة العمل، أو تغريه بتحمل العبء في العمل، وبذل الكثير في العمل، هذه البواعث كثيرة ومتباينة، من هذه البواعث ما هو قريب يرى مع العمل، إنسان ذاهب إلى محله التجاري ليكسب رزقه، الباعث الواضح الجلي الذي لا يخفى على أحد من أجل كسب رزقه، ومنها ما هو بعيدٌ يحتاج في إدراكه إلى كدٍ وبعد نظر.
أي إنسان عنده مئات الدونمات من الأراضي الشاسعة، جاء من يهمس في أذنه أنك إذا تبرعت من هذه الأراضي الشاسعة ببضع دونمات لإنشاء مسجد تضطر البلدية لتنظيم هذه الأرض، وجعلها مقاسم، عندئذٍ ترتفع أسعارها، فهذا الإنسان تبرع بأرض من أجل بناء مسجد، عند كل أهل الأرض عمل عظيم، أما البواعث لهذا العمل الربح فقط، هذا ليس ظاهراً، لكن الله سبحانه وتعالى:
﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾
يعلم السر الذي تكتمه، ويعلم ما خفي عنك.
لذلك قالوا: علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
البواعث نوعان؛ فطرية و كسبية :
من البواعث ما هو فطري، إنسان أراد الزواج، لأنه اشتهى أن يكون له زوجة، مركبٌ في جبلة الإنسان هذه البواعث التي تدفعه إلى الحفاظ على وجوده، إنسان طلب أن يأكل، هذا الطلب واضح جداً، هذا الباعث إلى الطعام يدفعه إلى الحفاظ على وجوده، وعلى سلامة وجوده، أو على بقاء النوع، الزواج بقاء النوع، تأكيد الذات بقاء الذكر، على حب وجوده، وسلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده.
الآن هناك بواعث كسبية، إنسان يطلب العلم، يحضر مجلس علم، يتابع العلم، ينتسب إلى معهد شرعي، يسمع محاضرة، يسمع مناظرة، ينشأ عنده بواعث كسبية أن يعمل صالحاً، أن يحفظ كتاب الله، أن يكون داعية، هذه البواعث ناتجة عن كسبه، عندما طلب العلم نشأت عنده بواعث جديدة.
أي إنسان همه بيته، همه رزقه، همه أولاده، فلما بدأ يحضر مجالس العلم صار عنده باعث أن يكون داعيةً إلى الله، هذا باعث جديد لم يكن سابقاً، صار عنده باعث أن يكرم الأيتام، يبحث عن يتيم، صار عنده باعث أن يوزع كتاباً، صار عنده باعث أن يؤدي الحج في بيت الله الحرام، صار عنده باعث أن يعمل أعمالاً صالحة، أن ينشئ ميتماً، مستشفى مثلاً، مستوصف،
هذه بواعث تتأتى بعد معرفة الله، هذه البواعث كسبية
والحقيقة كلما ارتقى الإنسان في سلم العلم النافع الذي أراده الله ارتقى معه الباعث، قل لي: ما الذي يبعثك إلى عملٍ ما أقل لك من أنت؟ النبي عليه الصلاة والسلام وصفه الله عز وجل بأنه في الأفق الأعلى.
﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴾
بواعثه إنسانية، هناك من يهتم بشخصه، قد يأكل أطيب الطعام في المطعم، وفي البيت ليس هناك طعام، عنده زوجة وأولاد، هذا أشد الناس أنانيةً، هناك من يهتم بأسرته هذا أرقى، هناك من يهتم بالأسرة الموسعة أي أخوته، أخواته البنات، أصهاره، هناك من يهتم بقومه، هناك من يهتم بشعبه، هناك من يهتم بأمته، هناك من يهتم بالإنسانية كلها، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً))
لأنه حمل همّ البشرية، وكلما ارتقيت عند الله تتسع دائرة اهتمامك.
أنا مرة أتيت من بلد في إفريقيا إلى بلدي، حينما دخلت الطائرة إلى الأجواء السورية رأيت بعيني من الطائرة طرابلس وبيروت، بعد طرابلس نجد أن طرطوس قريبة منها، وبعد بيروت نجد أن صيدا قريبة منها، نظرة واحدة.
كلما علا مكانك اتسعت رؤيتك، وكلما علا مقامك اتسعت اهتماماتك، تسأل إنساناً الآن كيف الصحة؟ الحمد لله، كيف الأحوال؟ يقول لك: والله أنا لا يوجد عندي مشكلة، لكن أنا حامل همّ الأمة، أرى ما يجري في غزة مثلاً، أرى وضع المسلمين في أفغانستان، في العراق، في فلسطين، فأتألم، هناك من يبكي على الأخبار، فكلما ارتقيت عند الله تتسع دائرة اهتماماتك.
من ابتعد عن الله عز وجل هبطت بواعثه إلى مستوى أناني :
أيها الأخوة، وكلما ابتعدت عن الله هبط الباعث، هبط الباعث إلى مستوى دنيء، حقير، أناني، همه بطنه وفرجه، همه ثيابه وأناقته:
(( تَعِسَ عَبْدُ الخميصة ))
همه ماله:
(( تعِسَ عبدُ الدِّينار، وعَبْدُ الدِّرهم ))
كلما هبط الإنسان في سلم المعرفة أصبحت بواعثه دنيئة، وقذرة، وأنانية.
العمل الصالح مظهرٌ للإيمان و برهانٌ عليه :
أيها الأخوة الكرام، العمل الصالح مظهرٌ للإيمان، برهانٌ عليه، بل إن الإيمان بلا عمل كالشجر بلا ثمر، لا قيمة للإيمان إطلاقاً من دون عمل، لأنه لو أن الشمس ساطعة وأنت أجهدت ذهنك ونطقت بهذه الحقيقة قلت: الشمس ساطعة، أنت
ماذا فعلت؟ هي ساطعة
إن قلت: ساطعة ما أضفت شيئاً، إن قلت: ليست ساطعة تتهم في عقلك، فإذا آمنت فقط ما فعلت شيئاً، إذا آمنت أن هذا المرض الجلدي لا سمح الله شفاؤه الوحيد هو التعرض للشمس وأنت قابعٌ في غرفةٍ قميئةٍ، مظلمة، رطبة، ما قيمة إيمانك؟ لا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً ما لم تتعرض لأشعة الشمس لذلك:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾
فليتحرك
﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
وما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن إلا وتعبر عن ذاتها بحركة نحو الخلق، يحضر مجلس علم، يسأل عالماً عن قضية فيها شبهة، يسأل ربه عز وجل أن يهبه عملاً صالحاً كما جاء في الدعاء، يسأل الله العمل الصالح.
قيمة العمل منوطةٌ بالباعث فقط :
أيها الأخوة، قيمة العمل منوطةٌ بالباعث، قيمة العمل كلها منوطةٌ بالباعث فقط، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:
(( إِنما الأعمال بالنيات ))
هذا العمل قد يكون عملاً كبيراً لكن:
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾
هذا العمل مهما بدا كبيراً إن لم يكن وراءه باعث صحيح أي نية طيبة هذا العمل لا قيمة له إطلاقاً، لذلك ورد في بعض الأحاديث:
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
(( من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله تعالى بسائر عمله ))
نأتي بمثل: إنسان يمشي في الطريق وجد ليرة ذهبية على الأرض، وهناك آلة تصوير خفية، فهذا الإنسان انحنى والتقط هذه الليرة، ووضعها في جيبه، وفي نيته أن يبحث عن صاحبها، هناك دكان، فنوى أن يذهب إلى صاحب الدكان، ويدع عنده خبراً أنه من أضاع شيئاً فهذا رقم هاتفي، نحن صورناه، انحنى والتقط الليرة، ووضعها في جيبه، والتقطنا له صورة، في اليوم التالي وضعنا ليرة ذهبية، وهناك إنسان انحنى والتقط الليرة، ووضعها في جيبه، وصورناه، الصورتان متشابهتان تماماً، لكن الثاني نوى أن يأخذها، عمل الأول صالح بسبب نيته، والعمل الثاني سيء بسبب نيته.
أي ممكن أن تقدم لإنسان كأس عصير وتعلم أن هذا العصير يؤذيه، ويمكن أن تقدم له دواءً مراً بنية أن يشفى، فهو العمل يقيم بنيته فقط.
العمل الصالح الذي يقبله الله هو ما كان خالصاً وصواباً :
أيها الأخوة، الحديث المتواتر الصحيح الذي رواه الشيخان عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( إِنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إِلى الله ورسوله ، فهجرته إِلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إِلى دنيا يُصِيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إِلى ما هاجر إِليه ))
لذلك امرأة اسمها أم قيس تسكن في مكة، خطبها رجل، فاشترطت عليه من أجل أن توافق على الزواج منه أن يهاجر إلى المدينة، فهاجر إلى المدينة، سمي هذا الإنسان مهاجر أم قيس:
(( ومن كانت هجرته إِلى دنيا يُصِيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إِلى ما هاجر إِليه ))
أخواننا الكرام، العلاقة مع الله ليست سهلة، قد تقوم بعمل رائع وتتلقى ثناءات، وتتلقى تشكرات إن صحّ التعبير، وأنت عند الله ساقط.
هناك إنسان يصلي صلاة الفجر في المسجد ـ طبعاً الرواية هكذا ـ أي لأربعين عاماً ما فاتته تكبيرة الإحرام في المسجد، في يوم من الأيام لم يتمكن من ذلك فقال: ماذا يقول الناس عني؟ مشكلة!.
لذلك أيها الأخوة، الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى يقول:
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
أجاب الفضيل رحمه الله في تفسير هذه الآية، أي
﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
أي أيكم أخلصه لله وأصوبه.
أي العمل الصالح الذي يقبله الله هو ما كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، مثلاً حفلةٌ غنائيةٌ كبرى يرصد ريعها للأيتام، هذا العمل قد يبدو خالصاً لكنه ما وافق السنة، يانصيب خيري هذا العمل قد يبدو خالصاً لكنه ما وافق السنة، وقد يوافق السنة وليس خالصاً.
لذلك إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإن العمل إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لا يقبل، يسمي العلماء هذين الشرطين كلاهما شرطٌ لازمٌ غير كاف، لابد من أن يكون صواباً وفق منهج الله، ولابد من أن يكون خالصاً، الآية الكريمة:
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾
علامات الإخلاص :
1 ـ استواء العمل في السر و العلن :
الآن هناك سؤال قد يتبادر إلى الذهن: ما علامة الإخلاص؟ هناك علامة، الحقيقة هناك علامات، العلامة الأولى: أن يستوي العمل في السر والعلن، في الجهر والخفاء، أمام الناس ووحدك في البيت، حينما يستوي العمل في السر والعلن، في الظاهر والباطن، في خلوتك وجلوتك، استواء العمل في الخلوة والجلوة، في السر والعلن، في الظاهر والباطن، فهذا من علامات الإخلاص، أي مع الناس صلى العشاء، لوحده نام بلا صلاة، مع مجتمع مؤمن غضّ بصره، مع مجتمع غير مؤمن لم يغض بصره، فحينما لا يستوي العمل في السر والعلن، في الظاهر والباطن، في الخلوة والجلوة، في الجهر والخفاء، يكون الإخلاص ضعيفاً، هذه علامة.
2 ـ استواء العمل في المدح و الذم :
والعلامة الثانية حينما يستوي العمل في المديح والذم، قمت بعمل مُدحت عليه تابعته، لا أحد أثنى عليك به تركته، فحينما يلغى العمل لعدم الثناء، ويزداد مع الثناء، فهذا من ضعف الإخلاص، لذلك من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به.
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
دقق الآن:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
هذا أول قسم بهذه السلسلة؛ سبل الوصول
﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
وعلامات القبول:
﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
لكن هؤلاء الذين شردوا عن الله لهم أعمالٌ كالجبال يجعلها الله هباءً منثوراً، قال تعالى:
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾
إذاً استواء العمل في السر والعلن، استواء العمل في المديح والذم من علامات الإخلاص.
3 ـ السكينة التي يمنحها الله للمؤمن :
هذه علامة ثالثة، يقول لك: هذا العمل له ثواب، ما هو الثواب؟ ثاب بمعنى رجع، أنت إذا رفعت عملاً صالحاً إلى الله، وهذا العمل الصالح رفعك إلى الله.
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
الرد الإلهي العظيم لهذا العمل الخالص: أنه يعيد عليك هذا العمل سكينةً، راحة نفسية، شعوراً بالسعادة، هذه السكينة لا يعرفها إلا من ذاقها، يسعد بها ولو فقد كل شيء، وجدها النبي عليه الصلاة والسلام في الغار، وجدها يونس في بطن الحوت، وجدها أهل الكهف في الكهف، هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
هذه السكينة العلامة الثالثة من علامات الإخلاص، يستوي العمل في السر والعلن، في المديح والذم، ويتأتى منه إلى قلبك السكينة، السكينة حالة نفسية فيها راحة، فيها سعادة، فيها رضا، فيها قبول، فيها أمن، فيها حكمة، هذه السكينة نسعد بها ولو فقدنا كل شيء ونشقى بفقدها ولو ملكنا كل شيء.
أصبح هناك ثلاث علامات للإخلاص؛ استواء العمل في السر والعلن، استواء العمل في المديح والذم، ثم أن يلقي الله في قلب المخلص سكينةً يسعد بها.
قوة شخصية المؤمن أنه لا يستجدي المديح :
لكن هناك من يذم الناس لأنهم لا يشكرون بعضهم بعضاً، فأنت حينما تستجدي المديح من الناس، أي يعمل وليمة، فيقول للحاضرين: هل الأكل إن شاء الله طيب؟ يريد أن يستجدي المديح على الأكل، يدخل لبيتك تحدثه عن مساحته، عن إطلالته، عن هذا البلاط الذي جئت به عن طريق الشحن الجوي من إيطاليا، أنت حينما تريد أن تستجدي المديح من الناس ضعف إخلاصك، فمن قوة شخصية المؤمن أنه لا يستجدي المديح، إذاً إخلاصه على مستوى.
أيها الأخوة، بقي شيءٌ آخر هو أن الله جلّ جلاله في الأثر القدسي يقول:
((أنا أغنى الشركاءِ عن الشرك ، فمن عمل عملاً فأشرك فيه غيري فأنا منه بريءٌ ))
وفي حديثٍ آخر:
(( الإخلاص سرٌ من سري استودعته قلب من أحببت من عبادي ))
أيها الأخوة، الإخلاص هو الدين كله، قيل: شطر الدين، ولكن الحقيقة هو الدين كله، ومع الإخلاص ينفع كثير العمل وقليله، ومن دون إخلاصٍ لا ينفع لا كثير العمل ولا قليله.